حين تخرج مينا ندا العام الماضي بدرجة تمريض، توقع أصدقاؤه وعائلته أن يبدأ العمل في أحد مستشفيات مصر المزدحمة. لكنه اختار الانضمام إلى عمل والده في إعادة التدوير في منشية ناصر، حي على مشارف القاهرة الشرقية يعرف بـ"مدينة القمامة". يوميًا، يفصل مينا آلاف الزجاجات البلاستيكية التي يجمعها فريق من الرجال الذين يتجولون في المدينة ليلاً لجمع النفايات، يصنفها حسب اللون ويضغطها إلى حزم كبيرة باستخدام آلة، جاهزة للبيع لإعادة التدوير وإعادة الاستخدام.

لم يدفعه الضغط العائلي للعمل في هذا المجال، بل إرادة حقيقية للمساعدة في حماية البيئة. يشرح مينا أن الوعي بقضايا تغير المناخ وتلوث البلاستيك والجسيمات الدقيقة في ازدياد بين الشباب في مصر. يدرك أن القاهرة تواجه مشكلة كبيرة في النفايات، ويؤمن أنه يستطيع إحداث فرق في مجتمعه. يؤكد أن القمامة بالنسبة له ليست مجرد نفايات، بل مصدر دخل وفرصة للحفاظ على نظافة المدينة.

يعيش في منشية ناصر حوالي 200 ألف نسمة، انتقل كثير منهم من جنوب مصر منذ الأربعينيات. مع تزايد سكان القاهرة الذي تجاوز 23 مليون نسمة، كبرت منشية نصر أيضًا. يطلق عليها اسم "الزبالين"، أي "عمال القمامة"، وهي تدير حتى 80% من نفايات المدينة، بالإضافة إلى ما يقرب من ثلثي النفايات في منطقة القاهرة الكبرى.

يستذكر مينا أن المجتمع المسيحي القبطي هناك توقف عن العمل عدة أيام حين توفي رجل دين، ما أدى إلى تراكم القمامة في المدينة بسرعة وأدى إلى غرق القاهرة في النفايات. ورغم الدور الحيوي الذي يلعبه "الزبالين" في نظافة المدينة، يعاني الحي من وصمة سلبية طويلة الأمد. يتجنب سكان القاهرة زيارة منشية نصر بسبب روائح القمامة الكريهة المنتشرة في الشوارع وعلى الأسطح، مع انتشار الفئران والصراصير التي تبحث عن طعام.

لكن جيلًا جديدًا من الشباب، من بينهم مينا، يعمل على كسر هذه الصورة النمطية التي لازمت المجتمع لعقود، ويبدو أن هذا التغيير يحدث ببطء. تنتج مصر ما يصل إلى 100 مليون طن من النفايات الصلبة سنويًا. ورغم أن الحكومة وضعت إدارة النفايات أولوية سياسية وأنشأت هيئة لتنظيم القطاع، لا يزال التطبيق محدودًا بسبب ضعف القدرات المؤسسية.

هنا يتدخل دور منشية ناصر، حيث بدأت الآراء تتغير تجاه الحي وعمل سكانه. يقول مينا، إنه عمل في إعادة التدوير جزئيًا خلال دراسته الجامعية لدفع رسوم الجامعة، ولاحظ اهتمام أصدقائه وفضولهم، مما دفعهم لتقليل استهلاك البلاستيك وتقليل البصمة البيئية الخاصة بهم. يؤكد أن إعادة التدوير بدأت تصبح "الشيء الرائع" الذي يفعله الشباب في مصر.

تشترك المزيد من الشباب في منشية نصر في هذا التفكير؛ يرون في إعادة التدوير أكثر من مجرد وظيفة، بل فرصة للتغيير. يشير ويل بيرسون، مؤسس شركة Ocean Bottle التي تبيع زجاجات قابلة لإعادة الاستخدام وتمول إزالة كمية كبيرة من البلاستيك، إلى أن أزمة المناخ تتفاقم في مصر والعالم، مع زيادة ندرة المياه، وموجات الحر، ونقص الغذاء.

يركز بيرسون على أن إنتاج البلاستيك عالميًا يطلق غازات دفيئة تعادل اقتصادًا يعد السادس عالميًا من حيث الحجم، ما يجعله جزءًا كبيرًا ومتزايدًا من المشكلة البيئية. ويذكر البنك الدولي أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لديها أعلى نسبة تلوث بلاستيكي بحري للفرد، حيث يطلق كل فرد أكثر من 6 كيلوغرامات من البلاستيك سنويًا في المحيطات.

تعبر إيريني، التي تبلغ 29 عامًا وتعيش في منشية نصر، عن خوفها من تلوث كوكب الأرض. انضمت مؤخرًا إلى "البنك البلاستيكي"، وهي منظمة اجتماعية مالية تعمل في الحي، وتدير فريقًا يعالج حتى 130 كيلوجرامًا من النفايات يوميًا. تفخر بعملها وترى نفسها جزءًا من حركة متزايدة من المصريين الواعين بيئيًا الذين يدفعون نحو التغيير.

تقول إيريني إن عملها أيضًا من أجل مستقبل أطفالها، الذين تريد لهم حياة أنظف وأفضل. خارج منزلها، يلعب الأطفال كرة القدم في الأزقة الضيقة بين أكوام القمامة، فيما تصل الشاحنات باستمرار لتحميل أكياس النفايات التي ينقلها العمال إلى منازلهم وفرزها وبيعها لشركات إعادة الاستخدام.

يقول مايكل ندا، شقيق مينا الأصغر، الذي يدرس علوم الحاسب، إنه لا يمانع العيش في منشية ناصر. يتحدث خارج قاعة المحاضرات مع أصدقائه عن أهمية إعادة التدوير وأزمة البلاستيك، ويشعر بالتقدير لعمله. كما تستثمر عائلته في تحسين وتجميل شقتها في الحي، مؤكدة فخرها بمجتمعها.

رغم وجود أكوام القمامة في الشوارع، يلعب الأطفال بحرية وسط هذا الواقع، ما يعكس التعايش بين الناس وبيئتهم.

في النهاية، تشكل جهود شباب منشية ناصر في إعادة التدوير مثالًا حيًا على التغيير الاجتماعي والبيئي في مصر، حيث يتحول العمل في جمع النفايات من وظيفة مهملة إلى مسار فاعل يسهم في معالجة أزمة النفايات والمناخ.

 

https://www.theguardian.com/global-development/2025/jul/18/rubbish-recyclers-cairo-garbage-city-manshiyet-nasr-climate-crisis